إلى أين يمكن أن تأخذك عملية التحول الرقمي؟

وقت القراءة 10 دقيقة

على الرغم من أن عملية التحول الرقمي تبدو في الغالب كأنها رحلة بلا نهاية، استطاعت العديد من الشركات المضي قدمًا والازدهار بها. قامت الباحثة ليندا هيل Linda Hill وست من زملائها بتحديد ست صفات تتميز بها المنظمات الناضجة رقميًا. وألفوا سلسلة مكونة من ثلاثة أجزاء بعنوان “الريادة في العصر الرقمي” وفي هذا المقال سنعرض لك الجزء الأول من هذه السلسلة. اقرأ الجزء الثاني والثالث من هنا.

 

وصف أحد المدراء التنفيذين لأحد شركات التجارة الالكترونية الأمريكية-اللاتينية التحدي الذي يواجهه التحول الرقمي كالآتي: أن الكثير من مبادئ القيادة الفعالة متشابهة، ولكن كل شيء يحدث في الشركات الرقمية بشكل أسرع بكثير جدًا. ومهمة الشركات ليست إتمام التحويل الرقمي الكامل للشركة فقط، لكن التأقلم والتكييف – كقائد وكشركة أيضًا- مع هذه الوتيرة الجديدة والتعقيدات المصاحبة لها.

الدخول في المجال الرقمي ليس سهلًا ولا يناسب الأشخاص المترددين ضعاف القلوب. الدخول في العالم الرقمي يشبه القيادة حيثُ  أن أغلبنا يعرف كيف يقود السيارة، و لدينا أساسيات القيادة، ولكننا في نفس الوقت نعي أننا لسنا جاهزين للدخول في سباق سيارات ضد منافسين عالميين.

تمامًا بالنسبة للعالم الرقمي، فحيثُ أن كانت البيانات والتقنيات الرقمية في الماضي عوامل تمكين الكفاءة وتخفيض التكاليف، أصبحوا في الوقت الحاضر هم أيضًا محركات الابتكار، ونمو الإيرادات، كما ويقدموا للمؤسسات فرص غير مسبوقة لتطوير منتجات وخدمات جديدة، وحتى إعادة تصور أعمالهم.

في منتصف عام 2020، بدأ العالم في فهم التحديات التي تواجه القيادة في عصر التحول الرقمي. وبالتعاون مع مراكز أبحاث عالمية بكلية هارفارد للأعمال وفريق “Ignite” التابع لشركة Salesforce الأمريكية، عقدنا أنا وزملائي 21 جلسة مناقشة مع أكثر من 175 مدير تنفيذي من الشركات حول العالم، بدءًا من شاغلي الوظائف في الشركات المهيمنة إلى الشركات الناشئة الرقمية. وقمنا أيضًا باستطلاع أراء أكثر من 1500 شخص من كبار المسؤولين التنفيذين من أكثر من90 دولة.

كانت نتيجة الاستطلاع حاسمة: حيثُ أن 97% من الأصوات كانت إما موافقين أو موافقين بشدة على أن المنظمات لن تظل قادرة على المنافسة ما لم تتكيف جذريًا مع متطلبات العصر الرقمي. كما وأشار الجميع ما عدا نسبة 3% منهم أن مؤسساتهم تمر بمرحلة تحول رقمي.

وأصبح سؤال كيف يمكن أن يتم التحويل الرقمي للشركات والمنظمات بنجاح من الأسئلة المُلِّحة التي سنحاول الإجابة عنها في هذه السلسلة المكونة من 3 أجزاء:

  • أولًا: من خلال شرح معنى أن تكون المؤسسة ناضجة رقميًا،
  • ثانيًا: تحديد ما يلزم لإنشاء مؤسسة ناضجة رقميًا
  • ثالثًا وأخيرًا: التحقيق في ماذا يجب على القادة تغييره ليس فقظ منظماتهم, بل أنفسهم أيضًا وكيفية فعل ذلك.

إلى أين يمكن أن تأخذك عملية التحول الرقمي؟ الريادة في العصر الرقمي

كل شيء يتغير والتقنية هي المحرك الرئيسي لهذا التغيير

تقول ليندا-هيل: عندما طلبت أنا وزملائي من المدراء التنفيذيين مشاركتنا الحديث على طاولة المناقشات حول موضوع “القيادة الرقمي” قاموا بتحذيرنا من أن المصطلح محدود وضيق للغاية، حيثُ أن القيادة في عصر التحول الرقمي تصف الأسئلة الاستراتيجية التي يوجهونها بشكل أفضل.

بعد كل شيء، هم يواجهون ثلاث تحولات رئيسية في الاقتصاد العالمي- تغيرات ناتجة عن التقنية التي لم تعد التقنية وحدها القادرة على معالجتها، وهي:

  • توقعات العملاء الجديدة: قال المشاركون في طاولة المناقشات أن العملاء يريدون أن تكون تجاربهم مع الشركات شاملة وخالية من المعوقات. حيثُ أن الجيل الرقمي على وجه الخصوص يتوقع أن تكون التفاعلات بين العملاء والشركات سريعة وبديهية حتى في معاملات الشركات مع بعضها البعض، مثل إرسال رسالة نصية على الهاتف أو لعبة فيديو.

لهذا وفي وقتنا الحاضر أصبحت مهمة الشركات ليس فقط عرض منتج أو خدمة بجودة عالية، ولكن طريقة توصيل هذا المنتج أو الخدمة للعميل أصبحت ذات أهمية عالية أكثر من ذي قبل أيضًا. كما وأصبح العملاء الآن يطلبون أن يكون المنتج أو الخدمة ذو ابتكار وقيمة أكثر من قبل، ولكنهم في نفس الوقت ليسوا على استعداد للدفع أكثر مقابل هذا المنتج أو الخدمة!

في الحقيقة، في وقتنا الحاضر نشكر وجود شبكات التواصل الاجتماعي، حيثُ أصبح بإمكان العملاء التعبير عن رأيهم الصريح حول شركة معينة لدعمهم أو لتحميل الشركة المسؤولية عن ممارساتهم البيئية. علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي الوتيرة المتسارعة للتطور التكنولوجي والترابط العالمي إلى تآكل الميزة التنافسية للشركة بشكل أسرع من أي وقت مضى وزيادة توقعات العملاء الحصول على قيمة أكبر من كل منتج والتطوير الدائم للمنتجات.

  • توقعات الموظفين الجديدة: دفعت ثورة المعلومات، وتوفرها بشكل كبير للجميع، الشركات التوجه نحو الديموقراطية في اتخاذ القرارات داخليًا وخارجيًا. في الماضي بسبب إمكانية الوصول الأشخاص المحدودة للبيانات في الشركات، كان يعتبر كل من المدراء التنفيذيين الكبار وكبار القادة صناع القرارات الاستراتيجية الشرعيين ويمكنهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيشاركون هذه البيانات مع الجميع أم لا ومتى تحديدًا.

الآن مع توفر المزيد من المعلومات بشكل أكبر للعديد من الأشخاص، أصبح يجب أن تتوزع شرعية القيادة على الأشخاص غير التنفيذيين أو يجب عليهم مشاركة صنع القرار مع باقي الموظفين أو كلا الأمرين.

وبسبب التطورات التقنية السريعة وتوفر البيانات بسهولة للأشخاص أصبح العمال يقاومون بشكل متزايد الأوامر وطريقة التواصل بينهم وبين المدراء والقادة –من أعلى إلى أسفل (تلقي الأوامر وتنفيذها بدون نقاش)– حيث أصبحوا الآن يتوقعون أن تكون اقتراحاتهم مسموعة ويساعدون في تطوير خطة منظمتهم وإيجاد الحلول بشكل متعاون. يأخذ الموظفين في العصر الرقمي مسؤولية المشاركة في الابتكار على محمل الجد، مع استعداد الأجيال الشابة من الموظفين على الحكم على ابداعاتهم بقدر خبراتهم.

  • التوقعات المجتمعية الجديدة: قال المشاركون في المناقشات أن جيل الألفية والجيل Z يسعون لتحقيق الهدف والإنجاز في أعمالهم، ويهتمون بشدة في تأثير مؤسساتهم على المدى الطويل ويطالبون بأن على القادة خدمة جميع الأطراف المعنية، ليس المساهمين فقط، ويهتمون أيضًا في بناء عالم أكثر استدامة وإنصافًا بشكل استباقي من الآخرين.

وأصبح العملاء يريدون نفس الهدف بشكل متزايد ويهتمون ببعض القضايا التي تؤثر عليهم بشكل شخصي، مثل خصوصية وأمان البيانات. وأضاف المشاركون أن المسؤولية الاجتماعية أصبحت “ضرورة” تنافسية وضرورية لجذب المواهب وبناء الثقة مع العملاء.

 

6 سمات رئيسية للمنظمات الناضجة رقميًا

قال المشاركون أنه بدلًا من إضاعة الوقت في مقاومة التحول الرقمي، تعمل المؤسسات الناضجة رقميًا على تبني والتكييف مع التحولات الرئيسية في عالم الأعمال. تميل هذه الشركات القادرة على التعامل مع هذه الديناميكية التي لا ترحم إلى امتلاك السمات الست التالية:

  • تكون متفهمة بشكل ودّي وحيوي للعميل

مع توفر البيانات بشكل أفضل وأكثر، تمكَّنت الشركات من معرفة عملائها بشكل أفضل من أي وقت مضى. بدلًا من الإنتاج على أساس توقع الشركات أن العملاء سيشترون أي منتج تبيعه المنظمة، أصبحت أغلب الشركات الناضجة رقميًا تعمل بشكل استباقي في المشاركة واكتشاف رغبات ومشاكل العملاء والابتكار في الإنتاج على حسب ذلك.

وبسبب الشفافية التي قدمتها شبكات الإنترنت، حيث أصبح بإمكان العملاء التصفح حول الأسعار والآراء بسهولة، تهدف الشركات الناضجة رقميًا إلى تقديم تجربة عملاء فريدة من نوعها، وغالبًا من تكون أكثر تخصيصًا وشمولًا.

لطالما كان “افهم احتياجات عميلك Understand your customer” شعار تجاريًا، ولكن حتى المشاركين في المنافسة مع الشركات الرقمية الأولى اعترفوا أن شركاتهم تهتم في أغلب الأحيان ببيع المنتجات والخدمات التي لديها فقط بدلًا من تطوير عروض ومنتجات جديدة بناءً على احتياجات العملاء ورغباتهم المتطورة.

ومن المثير للاهتمام أن 55% فقط من أراء المستطلعين المستجيبين صنفوا “التركيز على العميل” كأحد أكثر الصفات المهمة للنجاح في عصر التحول الرقمي.

لقد أصبح التعرُّف على العميل عملية ديناميكية ومستمرة، وسرعان ما تتحول إلى الحد الأدنى الذي يجب توفره. على سبيل المثال، أدركت الشركات أنها بحاجة إلى إعادة التعرف على عملائها بعد جائحة COVID-19 وإعادة معايرة نقاط ضعفهم ومشاكلهم ورغباتهم الجديدة.

وأضاف أحد المشاركين، أنه نظرًا لعدك القدرة على التنبؤ بالوباء وتأثيره على الاقتصاد، يجب على الشركات العمل على خدمة رغبات وطلبات عملائهم، وليس البيع لهم فقط، وبناء الاتصالات اللازمة للانتقال إلى الوضع الطبيعي الجديد بوجود الوباء. أصبحت الاستراتيجيات العالمية أيضًا أكثر محلية- عالمية، مع نمو الضغط المتزايد لتطوير المنتجات والخدمات من أجل تلبية توقعات واحتياجات أسواق وطنية محددة.

 

  • لديهم ثقافة اتخاذ القرارات من خلال الاستدلال بالبيانات وليست مدفوعة بالبيانات

تحتضن المؤسسات الناضجة رقميًا الكثير من البيانات وتستخدمها لاتخاذ القرارات بشكل أفضل وأسرع. ومع ذلك، فإن البيانات تعتبر جزء مهم من عملية اتخاذ القرار ولا تحددها. وأيضًا في هذه المؤسسات الناضجة رقميًا يعتبر تحليل البيانات عملية مهمة، ولكن التفكير النقدي والخبرة هم العاملان اللذان يحددان خارطة طريق اتخاذ القرار في النهاية. كما ويستخدم جميع الموظفين في المؤسسات الناضجة رقميًا البيانات لتطوير رؤى جديدة ومتوقعة على المدى الطويل بدلًا من الاعتماد على الخبرة السابقة فقط.

ونظرًا لسرعة  التغيير، قد يكون الإدراك المتأخر غير ذي صلة ولا يُفيد المهمة التي تكون قيد البحث. لدى الشركات الناضجة رقميًا الخبراء التقنيين المناسبين (مثل علماء ومحللين البيانات ذوي الخبرة)، والأدوات اللازمة (مثل لوحات المعلومات وتطبيقات تصور البيانات)، والمنصات الرقمية الحديثة (مثل البنية التحتية للحوسبة وأنظمة التشغيل) لدمج البيانات عبر مؤسساتهم.

ببساطة أكثر، مجرد أن البيانات متاحة لا يضمن أن الفرق في المنظمات ستستخدمها بالطريقة المناسبة. ويمكن معرفة إذا كانت الشركة تعطي الأهمية اللازمة للبيانات من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:

  • هل يستطيع الموظفين الوصول إلى البيانات بسهولة؟
  • هل يعرف الموظفين –بغض النظر عن الأقدمية في الشركة أو الخبرة أو العمر– كيفية تفسير البيانات؟

في حين أن 61% من المشاركين في الاستطلاع صنفوا “اتخاذ القرارات بناءً على البيانات” كأحد عوامل النجاح في عصر التحول الرقمي، فإن الخبرة مهارة تناظرية لا تزال مطلوبة. الموظفين داخل المؤسسات الناضجة رقميًا في أعلى وأسفل التسلسل الهرمي يمكنهم النظر إلى البيانات بشكل نقدي، مع العلم أن بعض التحليلات يمكن أن تكون غير كاملة أو غير تامة أو حتى متحيزة.

سمات المنظمات الناضجة رقميًا

  • تمتلك عقلية متحدية واستعداد للإضراب

الشركات الناضجة رقميًا تشجع الموظفين على تحدي الوضع الراهن- حتى وإن كان هذا يعني إعادة التفكير بشكل أساسي في الأعمال الأساسية للشركة. ويكون جميع الأشخاص في المنظمة مسؤولون عن استماع الإشارات من العملاء أو الموردين أو أصحاب المصلحة من خارج المنظمة.

ويجب إعداد الموظفين في المنظمات الناضجة رقميًا لأن يكونوا ممكنين في استجواب جميع جوانب العمل واقتراح طرق جديدة لإنشاء قيمة من أجل العميل. كما يتميز الأشخاص الذين يزدهرون في هذه الظروف والشركات بأن لديهم فضول حيال كل ما يحدث حولهم؛ ويكونوا مرتاحون للاعتراف بما لا يعرفونه حتى يكون لديهم فرصة في تعلمه، ومستعدون للتخلي عن أحدث وأفضل الممارسات وتعلمها واعتناقها أيضًا.

الفضول والإبداع عناصر مهمة في الشركة الناضجة رقميًا حتى بعد أتمتة العديد من الوظائف، أصر المشاركون أن براعة الإنسان لا تزال عامل مهم. لهذا عادة ما يتجه قادة هذه الشركات إلى البحث عن أشخاص الذين يطبقون أفكارهم وشعلاتهم الإبداعية على الرؤى التي يكتسبونها من البيانات والذكاء الاصطناعي وردود فعل الزملاء. ويكون التعلم والأداء متزاوجان أو مرتبطان ببعض في هذه المنظمات، لا يتفرقان في كثير من الأحيان في حالة الشركات التي لم تتبنَّ بعد مناهج رشيقة.

تبحث هذه المنظمات عن مرشحين ذوي عقلية تسعى للنمو عند تعيين الموظفين وترقيتهم، الذين يمكنهم التكيف مع الظروف المتغيرة. قال أحد المشاركين أن شركتهم تُجري تقييم حاصل قدرة كل موظف على التكيف- لقياس قدرته في أن يكون مرن وسريع الحركة والنمو تحت الضغط.

  • توزيع صلاحيات اتخاذ القرار واتباع نهج المشاركة في الابتكار

عادة ما كانت الشركات تطمح إلى إفراغ صوامعها بشكل جيد فقط لأكثر من عقد، ولكن تزايد الطلب على تجربة عملاء شاملة مؤخرًا جعل العمل متعدد الوظائف أمرًا ضروريًا. اتفق المشاركون في المناقشات أن المؤسسات الناضجة رقميًا يجب أن تكون مؤسسات تعاونية بشكل كبير.

ينظر قادة المنظمات الناضجة رقميًا إلى ما وراء الفرق الوظيفية والمستويات التنظيمية للجمع بين الأفراد ذوي المهارات المتنوعة لتأطير المشكلات وحلها. وينظر هؤلاء القادة إلى الموظفين لديهم بأنهم “مشاركين” في العمليات أكثر من كونهم “تابعين” فقط.

ويرجع السبب في ذلك بشكل جزئي إلى أن البيانات والتقنية تُمكّن الموظفين من الحصول على مزيد من الفرص للمشاركة والدخول في عملية اتخاذ القرارات. قال أحد المشاركين، لهذا السبب، جهود التنوع والانصاف والشمول التي تجلب المزيد من وجهات النظر والخبرات داخل الشركات؛ أصبحت ضرورية لتحفيز التفكير الجديد.

أجبر وباء COVID-19 القادة والمنظمات على إعادة تصور مفهوم التعاون لديها.

يقول المسؤولون التنفيذيون الذين تحدثنا إليهم أنه يجب على القادة الموازنة بعناية عندما يتخذون قرار “التعمق أكثر” أو “التراجع”، لذلك يكون طموح المسؤولون التنفيذيين في الشركات هو تمكين الموظفين من امتلاك قراراتهم والتصرف بناء عليها. ولكن هذه الشركات يجب تكون أيضًا مستعدة للذهاب خارج مؤسساتهم، أقسامهم، ومناطقهم لاستغلال المواهب للتعيين الموظفين الذين يستطيعون توصيل تجارب عملاء مميزة.

قال المشاركون: أنه بالتأكيد عمل وباء COVID-19 على إجبار القادة والمنظمات على إعادة تصوّر التعاون. لقد اعتدنا جميعًا على الاجتماع الافتراضي في فترة الحجر الصحي واستخدام أدوات التعاون التي يستخدمها الشركات العالمية لإشراك الأشخاص من جميع أنحاء العالم على مستويات تنظيمية مختلفة، ولكن النجاح يتطلب أكثر من تقنية، فعلى سبيل المثال:

  • يتطلب إجراء المناقشات الصريحة حول الغرض المشترك والقيم والمعايير التي تشجع الملكية والتعاون
  • تساعد الاجتماعات المنتظمة -وليس فقط المخصصة- لاستكشاف الأخطاء واصلاحها على توحيد العمليات
  • يمكن أن تخلق طقوس العمل من المنزل احساسًا بالمجتمع والانتماء على الرغم من المسافة الجسدية والاختلافات بين الثقافات
  • يمكن أن تؤدي اللقاءات الاجتماعية المنظمة إلى تعزيز الثقة المتبادلة.

 

ومع ذلك، يعرف المشاركون عن كثب حدود التعاون الافتراضي (Virtual Collaboration). ولكن عندما يتعلق الأمر بالتعاون الأفقي (Horizontal collaboration)، يبدو أنه لا يوجد بديل للتفاعل وجهًا لوجه لبناء الثقة والتواصل، حتى بين الشركات الرقمية الأولى واالرقميين الأصليين (digital natives).

  • يشجعون على التجريب والتعلم المستمر

في العالم الذي تكون فيه السرعة ذات أهمية، تعمل المنظمات الناضجة رقميًا حتى عندما تكون الخطوة المناسبة غامضة. فهم لا ينتظرون المعلومات المُثلى والكاملة قبل اتخاذ القرارات؛ يعتبروا قراراتهم أنها “فرضيات عمل” بناءً على أفضل المعلومات المتاحة.

“تزيد المنظمات الناضجة رقميًا من التفكير التصميمي (DESIGN THINKING)، ومنهجية الشركات الناشئة الرشيقة (Lean strartup) والمنهجيات المرنة AGILE لتعزيز الابتكار”.

قد سمعنا لسنوات عن حاجة المنظمات لتطوير القوى العاملة إلى مجموعة من الأشخاص المخاطرين، والقادرين على العيش بنهج “الفشل السريع والتعلم السريع Fast fail and fast learn” حيثُ يكونوا قادرين على التعلم من أخطائهم.

لا يزال القادة في العصر الرقمي يريدون ذلك، وللحصول على هذا؛ يحتاجون إلى إنشاء بيئة عمل تُتيح مكان ومساحة لعدم اليقيم وللتجارب، والفشل بحسن نية (الخوض في تجربة أو اتخاذ قرار نسبة النجاح فيه والفشل متساوية). كما وقال أحد المشاركين أنه يجب أن يكونوا القادة نفسهم مستعدون للتحلي بالشجاعة، لإطلاق منتجات أو برامج جديدة وتجربتها وتحسينها أو حتى إزالتها.

نعم، تزيد المنظمات الناضجة رقميًا من التفكير التصميمي ومنهجية الشركات الناشئة الرشيقة والمنهجيات المرنة لتمكين الابتكار. إنهم يجرون تجارب قاسية وذات صلة ويختبرون ويتعلمون ويتكيفون في ظل التطورات الجديدة- حتى أنهم يتخلون عن مشاريع واعدة موجودة مسبقًا عندما تشير البيانات أنها لم تعد تعمل.

مع عنصر العلاقة الحميمية مع العملاء (customer intimacy) التي توجه نماذج التشغيل والثقافات الخاصة بهم، هذه التجارب تضع إحتياجات العملاء في الأولوية. في الحقيقة، سمعنا مثال عن شركات تشارك إنشاء المنتجات والخدمات الجديدة مع عملائهم، على سبيل المثال مختبرات الابتكار المصممة لهذا الغرض.

  • تتميز باتخاذ القرارات الأخلاقية والحوكمة الاستباقية

نظرًا لأن التطورات التكنولوجية تؤدي إلى حالات استخدام لم يكن من الممكن تصورها مسبقًا، فإن المؤسسات الناضجة رقميا تدرك أنها مسؤولة عن النتائج غير المقصودة لأعمالها داخل وخارج مؤسساتها. اعترف المشاركون في المناقشات أن المعضلات الأخلاقية سوف تنشأ وتتزايد أكثر فأكثر، ولكن هؤلاء القادة تجاوزوا مبدأ “عدم إلحاق الضرر” الخوف من العواقب في كل خطوة تخطوها المنظمة وإنشاء العمليات وتبني العادات والمواهب التي تعمل بمثابة بوصلة للشركة وحواجزها. يريد جيل الألفية وجيل Z على وجه الخصوص العمل في شركات تظل وفية للقيم التي تتبناها.

يقوم قادة المؤسسات الناضجة رقميًا بمحاذاة وضع موظفيهم حول هدف مشترك يضع صنع قرار أخلاقي نيابة عن أصحاب المصلحة في المركز ويعطيه الأولوية. على سبيل المثال، هذه الشركات يمتلكون الحق في استخدام وجمع بيانات الموظفين والعملاء، عن طريق أن يكونوا شفافين وواضحين بشأن نواياهم في استخدام تلك البيانات والعمليات ذات الصلة.

عندما يستخدم القادة تلك البيانات، فإنهم يجب أن يلتزمون بالتوقعات التي حددوها عند جمعها. وعادة ما تسعى المنظمات إلى أن تصل إلى المرحلة التي يكون فيها العملاء يريدون مشاركة معلوماتهم الشخصية لأنهم واثقون بأنهم يستفادون من استخدامها. يجب أن يكون بناء هذه الثقة جهدًا متعدد الجوانب يتبناه الجميع في الشركة- وليس فقط من قبل هؤلاء الذين يشغلون مناصب الامتثال.

لقد أجرينا مناقشات حية حول العلاقة بين القطاعين العام والخاص وكيف كانت هذه العلاقة بحاجة إلى إعادة تصور في ضوء التحديات والفرص التي أطلقتها تقنيات التحول الرقمي الناشئة.

حيثُ وصف المشاركون مدى تعقيد ممارسة الأعمال التجارية في جميع أنحاء العالم- حيث لا يوجد معيار أو “تكافؤ الفرص” للتعامل مع بيانات الموظفين أو العملاء من خلال اعطاء مثال على انه كان يُنظر إلى الشركات الأمريكية على أنها متخلفة عن الشركات الموجودة في أوروبا ومعظم دول أسيا في العمل مع الحكومات لمعالجة المعضلات الأخلاقية المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية.

كما أضاف العديد من المشاركين، خصوصًا من الدول ذات الاقتصادات الناشئة، أنهم يشتركون بشكل استباقي مع صانعي السياسات لتطوير اللوائح والممارسات التي تشجع المنافسة وتحمي العملاء وتفي باحتياجات المجتمع.

 

التقنيات الرقمية: هل هي عامل تمكين أم معطل لنمو وتقدم الشركات في عملية التحول الرقمي؟

تحاول الشركات حول العالم استغلال إمكانيات التقنيات والبيانات الرقمية لضمان بقائها على قيد الحياة في عصر التحول الرقمي. وخلال جلسات المناقشات التي عُقدت خلال الدراسة، عندما سألنا القادة ما الذي يلزم لإعداد المؤسسات لهذا الجهد والتحول الرقمي، كانت أجابتهم بمثابة مفاجأة لنا، على حد وصف الباحثة ليندا-هيل حيث أنهم تحولوا سريعًا من الحديث عن الأدوات الرقمية إلى أهمية وجود والبحث عن المواهب والثقافة لإتمام عملية التحول الرقمي بالطريقة المُثلى.

ترى كثير من الشركات أن رحلة التحول إلى النضج الرقمي عملية شاقة، بسبب اعتباراتها التي تبدو أنها لا نهاية لها وبسبب التغيير المستمر في المشهد. التحول الرقمي في المؤسسات عبارة عن طرق جديدة في العمل وعلاقات جديدة بين العملاء وأصحاب المصلحة الآخرين التي تفصل الشركات الناضجة رقميًا عن تلك التي لا تزال تحولاتها جارية أو متوقفة.

 

أخيرًا، في الجزء الثاني من هذه السلسلة، سنتحدَّث حول كيفية تحقيق هذه السمات المميزة أو ببساطة الدخول في عملية التحول الرقمي للشركات. في الواقع، يمكن أن يكون التحول الرقمي رحلة ملحمية، ولكن له وجهة: حيثُ أنه في نهاية الرحلة، المؤسسات الناضجة رقميًا يمكنها التعلم والاختبار، وتغيير المسار، وإعادة ابتكار نفسها مع الحفاظ على وفائها لقيمتها الأساسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *